بقلم جيهان تويمة نزال

المديرة الإدارية في كلية بيت لحم للكتاب المقدس

“الماضي لن يعود” عبارة قد تذكّرنا برواية أو بقصة فيلم سينمائي، ولكنها في الواقع من أصدق العبارات التي لا بدّ أن نضعها نصب أعيننا كلما شعرنا بالحزن أو الضيق أو اليأس أو الندم.

“الماضي لن يعود”، يا حبذا لو ندرك المعنى الحقيقي لهذا الواقع. إن حياة الإنسان كالقطار يمرّ بمحطات كثيرة، ولكن في هذه الرحلة لا يمكن الرجوع إلى الوراء، ولا يمكن أبداً للقطار أن يغيّر وجهته ويعود لمحطة سابقة.

إن الإنسان بطبيعته البشرية غالباً ما يواجه صعوبة شديدة في نسيان الماضي، خاصةً أحداث هذا الماضي ولحظاته المريرة وآلامه وأحزانه وتجاربه القاسية التي عاشها فأثّرت على حياته بشكل سلبي. وهذا بالطبع يلعب دوراً لا يمكن تجاهله في عيش الحاضر والانطلاق نحو المستقبل؛ فعندما يطغى تفكيرنا بالماضي على عيشنا الحاضر يتسلّل هذا الحاضر من بين أيدينا.

فكم مرّة نرجع بشريط ذكرياتنا إلى الوراء ونتساءل كيف كان سيكون الوضع لو جرت الأمور على نحو مختلف في الماضي؟

كم مرّة غرقنا في التفكير بهذا الماضي أو الرجوع إليه أو حتى التشبّث بهمومه ومشاكله وآلامه؟

إنّ هذا النوع من التفكير ما هو إلا وسيلة فعّالة لاستنزاف طاقتنا وهدرها، وهو طريق نمشي فيه لنصل في نهاية المطاف إلى لا مكان، ولنجني لا شيء سوى القلق والاكتئاب وقتل الفرح والسلام الداخلي.

“إن الماضي ما هو إلا منصّة للقفز وليس أريكة للاسترخاء”؛ فالإنسان أكبر من مجرّد ماضيه. لذلك، علينا أن ندرك أن الحياة يوم لنا ويوم علينا، وأن الألم والصعوبات والمعاناة جزءاً لا يتجّزأ من حياة الإنسان، وإن أردنا أن نعيش حياة هنيئة ملؤها السلام والتوازن والاستقرار، فما علينا إلا أن نطوي صفحات الماضي. فما مررنا به في الماضي ما هو إلا تجارب وخبرات صقلت شخصيتنا وعلمتنا دروساً لنقوى ونستطيع المضي قدماً في رحلة حياتنا.

فلتكن رحلتنا إلى المستقبل لا إلى الماضي، ولنتحرّر من كوننا أسرى لهذا الماضي، ولنبحث عن الأدوات والمفاتيح التي تمكّننا من تجاوز مشاعرنا المرتبطة بالماضي لنعيش حياة أفضل.

وعندما تعجز يد النسيان أن تطال أحداث الماضي وذكرياته…

عندما يأبى عبق الماضي إلا أن يظلّ عالقاً بذاكرتنا…

فلنتصالح مع ذواتنا، فلنتصالح مع ماضينا، وذلك بأن نقرّر عدم التفكير به، والأهم أن نقبله كما هو، بدلاً من أن نستحضره مراراً وتكراراً ونقتل اللحظات الجميلة الحاضرة بالحزن والندم والأسى.

فلننظر إلى الحياة بعين الأمل، ولنلون صفحات حياتنا بألوان الفرح…

فلنتشح بوشاح التفاؤل ونقذف بثوب التشاؤم في غياهب العدم…

فلنسامح أنفسنا…

فلنسامح غيرنا…

ولنتطلّع إلى الجانب المشرق ولنتعلّم مهارات تطوير الذات، والتفكير الإيجابي، ولنضع لأنفسنا أهدافا نطمح بل نعمل جاهدين لتحقيقها…

والأهم من ذلك كلّه أن نضع حياتنا برمّتها بين يدي الخالق، ولنثق ثقةً كاملةُ أنّه ربّان سفينة حياتنا. فلنستودع حياتنا؛ ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا بين يديه، فهو الربّان الأمين الذي سيبحر بنا ليوصلنا حتماً إلى شاطئ الأمان مهما اشتدت العواصف ومهما علت الأمواج. هو وحده القادر على أن يجعل غيوم الماضي تنقشع فتشرق شمس الحاضر ويشعّ مستقبلنا بنور المحبة والحرية والأمان والسلام والاستقرار.