بقلم ميرنا عيساوي جورجي
لقد ميّز الله المرأة عن الرّجل فوهبها القدرة على الحمل والولادة وسمة الأمومة، ويا لروعة هذه السِّمة. ففي فترة الحمل تتشارك المرأة مع الخالق في تكوين مولود جديد، يتكوّن وينمو في أحشائها ويخرج من كيانها وصلبها إنسانا آخر على صورة الله ومثاله، ليصبح مستقلاّ في حياته.
ولكن الأم شجرة لا تذبل، فهي رمز الاستمرار والعطاء، حيث أنّها لا تتوقف عن ضخ مشاعرها، ومسؤوليتها، وحرصها، وحبها لأولادها إلى يوم مماتها. ففي محبة الأم لأولادها أرى العطاء المتفاني وبذل الذّات. كما أن الله أحب العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكيلا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية.(يو3: 16).
إن عطاء المرأة وبذلها نفسها لأجل الآخرين له عدة أشكال:
فنجدها تتحمّل الصعاب والتغييرات الفسيولوجية والهرمونات في فترة حملها وحتى قبل حدوث الحمل.كما تحتمل الفحوصات الطبية متابعةَ حياتها ومهامها داخل وخارج البيت، متناسيةَ أحيانا أن جسدها قد تحوّل إلى “مصنع” لتكوين إنسان جديد يحوي كل الخلايا والمزايا البشرية لبقائه.
ثم أنها تعاني المخاض في ولادته، والسهر عليه لإرضاعه وتسديد احتياجاته، وتبذل كل ما في جهدها لينمو وينضج صحياً وسليمًا جسديًا، وعقليًا، وعاطفيًا، واجتماعيًا، وروحيًا، مرافقةً إياه في كل مراحل حياته إلى نهاية حياتها على الأرض.
عليّ التنويه هنا إلى أن الأم ليست بالضرورة هي التي ولدت الطفل الرضيع، فقد تكون الجدة أو العمة أو الخالة أو المعلمة أو المُدرّسة في مدرسة الأحد، أو حتى الأخت الكبرى التي ترعى الطفل وتمده بالحنان والمحبة في حال غياب الأم أو تقصيرها في أداء واجبها تجاه طفلها.
وتبذل الأم/ المرأة في المجتمع نفسها ووقتها وجهدها بالعطاء في عدة نواحٍ:
1- التواجد: عندما ترتب الأم أولوياتها وتدرك أهمية دورها تعرف أن أهم أنواع العطاء وبذل الذات هي خدمة التواجد. حيث تقع مسؤولية التواجد على عاتق الأم بشكل أكبر، فهي التي يحتاجها الطفل لإطعامه من لبانها، أو للطمأنينة على صدرها عند سماع نبضات قلبها ونغمات صوتها. كما وتسرع الأم لتسديد احتياج طفلها رغم نموه واستقلاليته عنها. فإن خدمة التواجد لا تعني مجرّد وجود الأم بمقربة طفلها كل الوقت، فقد تكون متواجدة بمقربة منه ولكنها مشغولة في فكرها بالواجبات المنزلية أو التليفون أو التلفزيون. فالقصد من التواجد هو التحدث إليه، واللعب معه، والإصغاء له بشكل فعّال، ومَدّهُ بالحنان والقبلات والحضن واللمسات الجسدية اللطيفة الضرورية لنموه السليم والصحي.وتعطينا السيدة العذراء أعظم مثال لخدمة التواجد، فهي قد تواجدت في كل مراحل حياة المسيح، كما وكتب عنها أنها كانت تحفظ كل هذه الأمورفي قلبها.
2- التّعليم والنصح: كما كان للوئيس وأفنيكي التأثير الفّعال على حياة تيموثاوس، هكذا على كل أم أن تسعى لتعلم أولادها كلمة الله الحية والسلوك بموجبها، لينالوا الخلاص ويكونوا خير مثال لغيرهم ليسلكوا في طريق الحق. فلا يقتصر تعليمها لهم على اللغات المختلفة وأصول الإتيكيت والرياضة والحساب.
3- التدريب: تبذل الأم المعطاءة الكثير من الجهد والوقت لتدريب أولادها أصول التعامل والتواصل والتصرّف الصحيح، فان كل هذه السّلوكيات لا يتم تعلّمها بين ليلة وضحاها، بل بالكثير من الصبر والتّكرار مع طول الأناة والإبداع الخلّاق لابتكار أساليب تعليمية سلسة لتسهيل عملية تعلّم أولادها.
4- البحث: على المرأة أن تكون باحثة، غير صامته أمام المعوّقات الاجتماعيّة التي تحاول أن تحدّها، بل كما فعلت ملكة سبأ في بحثها عن الحق، عليها أن تأخذ على عاتقها مسؤولية نموها الروحي وامتيازها بمميزات روحية عالية، مدركة أهمية علاقتها وشركتها مع الله لخلاصها ونجاح مقاصدها وطرق أهل بيتها.
5- التأديب: تظهر محبة الأم وعطائها وبذلها في تدريبها لأولادها التّمييز بين الصواب والخطأ، وفي وضع الحدود والقوانين الواضحة، وفي كونها المثال والقدوة، وفي عملية تأديبها لأولادها عندما يخطئون؛ كل هذا بمحبة وحزم واضحين مراعية جيل ابنها وظروفه.
6- العناية: لا تقتصر عناية الأم على طفلها فقط، بل هي تعتني أيضا بزوجها وبيتها ونفسها،كما وتحافظ على العلاقات مع الأقارب والأصدقاء وضيافة الغريب وتسديد احتياجه، غير منتظرة المقابل أو الشكر على خدمتها. كما فعلت المرأة من شونم عند ضيافتها لأليشع ومطالبة زوجها بصنع علّية ليميل إليها النبي.
7- الصلاة والصوم: من أهم واجبات الأم هي مسؤولية الصلاة والصوم لأجل أولادها وزوجها ونفسها، فهي لا تجاهد وتجادل المجادلات غير المجديّة محاولةً تغيير عادات زوجها وتصرفات أولادها ولكنها تحارب حروبها راكعة ومُخضعة نفسها وساكبة قلبها أمام إلهها في خلوتها، مثابرة على الصلاة بالتضرّع والدموع إلى حين تغيير العيان وإدراك ما سبق ونالتهب الإيمان. فقد صلّت حنة وسكبت نفسها أمام إلهها إلى أن نالت الموعد.
8- المثل الأعلى: ما أعظم أن تكون المرأة مثال أعلى لأولادها ولمعارفها ليحتذوا بها وبإيمانها وطموحها وجهودها وإصرارها وتحقيق نفسها في غاية التأثير الايجابي البنّاء لمجتمع أفضل. فتنال المديح من زوجها وأولادها لكونها المرأة الفاضلة.
9- المشاركة والعطاء في المجتمع: لقد كانت طابيثا ممتلئة أعمالاً صالحة واحسانات كانت تعملها، ومعطاءة وخادمة للآخرين. وتقع المسؤولية على كل واحدة فينا بمشاركة الآخرين الأخبار السارة، ومشاركتهم بأموالنا ومواردنا، وواجب تقديم باكورات غلّاتنا للعشور والعطايا.
وأخيراً أرغب أن أُهَنِّئ كل سيدة وآنسة لنعمة كونها أنثى، مخلوقة على صورة الله ومثاله، ومشتركة معه في نعمة خلق وتربية أولادها لصنع مجتمع أفضل. أًحِثُّكِ سيدتي وآنستي على محبة وقبول نفسك كما أنتِ، فهذا أعظم عطاء يمكن أن تقدميه للآخرين مبتدئة بنفسكِ. فكيف يمكنكِ محبة الآخرين إن لم تحبي نفسكِ؟ وكيف يمكنكِ صنع الإحسانات وبذل نفسكِ للآخرين إن كنت تمقتينها وتلعنين كونكِ أنثى؟!
ادعوكِ الآن أن تقومي وتستنيري لأنه قد جاء نوركِ ومجد الرب أشرق عليكِ. لكِ دور لتمارسيه لن يستطيع غيركِ أن يمارسه بمثل كفاءتكِ، ولكِ قيمة وأهمية، فأنتِ غالية ومحبوبة، لأنه ها الظلمة تغطي الأرض والظلام الدامس الأمم،أما عليكِ فيشرق الرب ومجده عليكِ يرى.
ادعوكِ لتكوني نورًا، وادعوكِ لتكوني بركة، ومؤثرة ومعطاءة ومثمرة..لأنكِ تستطيعين!