بقلم د. مدلين سارة
أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية
نحن نظلم أنفسنا عندما نغرق في بواطن الذكريات الأليمة، فنعايش الندم بكافة تفاصيله ونثقل كاهلنا بتداعياته التي تنخر الأجساد السليمة وتبث سمومها في عقولنا وتتركنا أسرى لماض مرت عليه سنوات طويلة، لكنه لا زال عالقا في أذهاننا ويعيق مسيرتنا ويحرمنا التقدم بخطى ثابتة إلى الأمام وكأن الحياة تتوقف عند واقعة معينة وننسى أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء وكما قال الكاتب ديل كارنيجي “الماء لا يجري في النهر مرتين ” وأيضا قال ” أكثر الأشياء التي تتسبب في تهاوي الأقوياء هي إضافة حمل الأمس إلى حمل الغد وحملهما معا” إذن عزيزتي، ما تخطيناه في حياتنا هو مجرد درس يشد أزرنا ويجعلنا أكثر صلابة وقوة لمواجهة تحديات المستقبل.
المشاعر السلبية تقود إلىنتائج سلبية والعيش في داخل حلقة مفرغة من الندم يقتل الإحساس بنعم الحياة فيتلاشى طعم النجاح ويتيح الفرصة لمرارة العلقم التي تحجب الرؤية الواضحة وتترك من يتمسكون بالماضي رهينة لضبابية المستقبل بانتظار الفرج وضربة حظ من قبيل فرصة سفر أو عمل أو تغيير في الحالة الاجتماعية دون السعي إليها ،هنا نقع في خطأ الاعتماد على العوامل الخارجية والاستمرار في العيش داخل جلباب الماضي بمنهجية تفكير سلبية وهذا ما تؤكده مقولة أينشتاين :” من الغباء أن تكرر الشيء ذاته وبنفس الطريقة وتنتظر نتيجة مختلفة”.
نحن ندرك أن المجتمعات العربية هي مجتمعات عفوية وباللغة الدارجة “” عايشين عالبركة”!!
إنها ثقافة القدرية والاتكالية التي تقتل كل طموح وتلغي التخطيط وتقلل من قدرتنا على التخطيط للمستقبل في ظل المقولات المحبطة مثل “هذا نصيبك!” ، “المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين”. هذه الثقافة النمطية واللصيقة بمجتمعاتنا العربية ، تلغي دورنا كفعالين ومؤثرين في حياتنا ولا تحقق التوازن بين الدور البشري والدور الإلهي، فنعلق فشلنا على الأقدار، لكن جون ستوت ينبهنا في مقولته: “لم يخلق الله كوكب الأرض لكي ينتج من تلقاء نفسه، فعلى الكائنات البشرية أن تخضعه وتطوره.” لذلك كفانا تقاعسا، فلننهض ونبدأ. كيف؟
- علينا أن نفكر بالمستقبل وأن نبني مفهوم الرؤيا والتخطيط. كوني صاحبة رؤية، سيساهم هذا في الحد من التفكير بالماضي.
يعرف القس جون ستوت “الرؤية هي عدم رضا عميق عما هو قائم وإدراك واضح لما يجب أن يكون عليه المستقبل في ضوء تحليل الماضي، ومعطيات الحاضر، والقدرة على تنبؤ المستقبل.”
وأقصد هنا تنبؤ أي تصور للتغيرات التي نود أن نراها تتحقق. عندما تغيب الرؤية يغيب الرجاء والمعنى والتحدي. ” بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ” (أمثال 18:29). فلا تستمري بالعشوائية لأنك ستعلقين في الذكريات ولن تحققي شيئا.
- تذكري أن الأزمة التي أنت فيها تمثّل نقطة التقاء الفرص مع الخطورة. رغم أن البعض يحاول الهروب المستمر من أزمات الحياة ويسترسل في سخطه على حياته.لكن البعض الآخر اختار التفاعل الايجابي الذي يؤدي إلى إدراك ناضج للدور المنوط به وللمسؤوليات الملقاة على عاتقه .
- انظري حولك وتعلمي من الأخطاء والنجاحات، هناك من كسرتهم الحياة وهناك من استخدموا الأزمات ليعلوا فوقها. “مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، وَمِنَ الْجَافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ” (قضاة 14: 14)
- استثمري عدم رضاكعن واقعك لتكتشفي دورك في التغيير وصلّي إلى الله لتعرفي كيف يريدك أن تتصرفي. فقد يتحول عدم رضاك عن واقعك وفشلك إلى طاقة هائلة تؤجج طموحك وتنير طريقك للتقدم والسمو في كافة خياراتك. أننا نملك الإرادة والقوة بالشراكة مع الله إلى تحويل عدم الرضا إلى قوة دفع إيجابية. ” استطيع كل شيء بالمسيح الذي يقويني” (فيلبي 4: 13).
فَعّلي طموحك. إن الظروف التي شلت طاقاتك هي نفسها ستتحول إلى حوافز قوية لإحداث التطور في حياتك ، فقد وضع الله الطموح في داخلنا لكي لا نكتفي بما حققناه، بل لنستمر في التقدم ونحن على أرض الأحياء. أشجعك على الابتعاد عن الجمود، لا في مكان راحة (الأمور ماشية عادية)، ولا في البكاء على الأطلال ورثاء النفس عما فاتها (خلص ولا شيء راح يرجع زي زمان). نعم ،ربما لن تتكرر الأمور الجميلة الماضية، ومن المؤكد أن الأزمة الماضية أدت إلى شرخ كبير داخلك، لكن، بالرغم من كل ذلك، ادفني الماضي وامتدي، نعم امتدي إلى ما هو قدام. لا تعلقي في ماضيك. فَعّلي طموحك واطلقي العنان لأحلامك . قال القديس بولس: ” أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ،..” (فيلبي13:3)
عزيزتي؛ إن معنى كلمة أحسب في هذه الآية في أصلها اليوناني معناها النظرة الفاحصة للماضي، وكأنه الإنسان في حوار مع نفسه للفحص والاستنتاج والتعلم. قال بولس وبحكمة “أنسى ما هو وراء”، وامتلأ بالمزيد بالشغف والطموح.
- ثقي في الحياة. ربما عند سماعك لعبارة “إن الحياة تتحسن” تبدو للوهلة الأولى كذبة، لأن الجميع يقول “الحياة من سيء إلى أسوأ”. أما أنا فأقول إن الحياة تتحسن. تتحسّن الحياة فيَّ وفيك ومن خلالي ومن خلالك إن أمنت بالرب وبنفسك وبالآخرين. طبعا ذلك يتطلب عملاً وجهداً وثقة بعمل الله في حياتك. فمعظم الناس الذين يرددون جمل عن صعوبة الحياة وتعاستها، هم أشخاص لا يتمتعون بتقديرهم لذواتهم. إذن، غيري منهجية تفكيرك وستتغير نظرتك للحياة. “أَخِيرًا. أَيُّهَا الإِخْوَةُ كُلُّ مَا هُوَ حَقٌ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، …. فَهذَا افْعَلُوا.” (فيلبي8:4-9)
- أخيراً أنت تحتاجين إلى علاقات حقيقية، ليس فقط إلى علاقات عادية. فنحن نحتاج إلى علاقات شافية للجروح، إن دائرة العلاقات الصحية والناضجة هي البيئة الصحية التي تلتئم فيها جروح الماضي. فبالإضافة إلى معونة الله نحن نحتاج إلى معونة الناس، نحن نحتاج لمن يقدمون لنا المحبة والقبول والاهتمام والاحترام والمساندة. لأننا خذلنا وأُتعبنا من تجارب ماضية، واليوم نحن بحاجة لمن يُعيد تحميل برنامج الثقة والأمان.
فأنا وأنت نحتاج إلى علاقة فيها أستطيع أن أخطئ والآخر سيبقى إلى جانبي، إلى علاقة فيها أستطيع أن أشارك خزيّ وأشعر بالقبول، إلى علاقة فيها استطيع أن أثق بصدق واستقامة الآخر. ” لا يمكنك أن تستمتعي بصحة جيدة وأنت تعيشين منعزلة ومنفصلة عما يحيط بك.” أندرو ويل.
المشكلة أننا بعد التجارب نختار الاختباء بعيداً أو بناء جدران. ” الْمُعْتَزِلُ يَطْلُبُ شَهْوَتَهُ. بِكُلِّ مَشُورَةٍ يَغْتَاظُ” (أمثال1:18)
صلي إلى الله القادر أن يرسل أشخاص مناسبين ليكونوا الدائرة القريبة منك.