بقلم متيلدا توما
منذ بدایة الخلیقة وحتى یومنا هذا، یعج كوكب الأرض بمخلوقات صغيرة الحجم، خفيفة الظل، عظيمة التأثير، ألا وھم الأطفال. نسمع صراخهم، وضجيجهم وضحكاتهم، في البيوت، وفي الشوارع، وفي الأزقة، وفي الحافلات وفي كل مكان تقریباً. مخلوقات قزمیةّ تجلب لنا عبیر سرور مليء بالبراءة والعفوية. یشكل ھؤلاء الأطفال حجارة أساس لمستقبل قریب. فكیف یمكننا الاعتناء بھذه الأشبال، وتلك البتلات التي تسیطر حتماً على وجھة حیاة الجیل القادم ومصیره؟
لقد خلق ﷲ الرجل والمرأة كي یعملا معاً، جنباً إلى جنب، في جمیع مراحل الحیاة وفي كل دوائرھا. وأعطى لكل منھما دوراً فریداً وعظیماً وفعّالاً في مجالات عدیدة، وخاصة في تأثیرھما على أطفالھما! ومع الرغبة الشدیدة التى تملأ قلبي لعدم تھمیش دور الرجل في ھذا المجال تحدیداً، إذ یلعب دوراً أساسيا في تشكیل ھویة الطفل الصحيحة، إلا أنني أرید وبكل حیادیة وأمانة، أن أسلط الضوء على دور المرأة بشكل خاص في ھذا الإطار. وسؤالي ھنا كیف نستطیع كنساء أن نقوم بھذا الدور بكل أمانة، متخطین كل العقبات التي تواجھنا؟
انظري إلى ماضيكِ واستخلصي دروساً لمستقبلكِ
اسمحي لي یا عزیزتي أن اصطحبك في رحلة قصيرة إلى الماضي، قد يكون للماضي نافذة سوداء، تبعث لك الكثیر من الذكریات المؤلمة عن طفولة لم تكن مثالیة، لكن لا داعي للحزن والشعور بخیبة الأمل، فلم یحظَ جميعنا على طفولة رائعة! ورغم ھذا، فإن لدى جمیعنا الفرصة لاختیارات أوفر حظاً، والسعي لتوفیر أجواء أفضل لأطفالنا. بإمكانك استخلاص عبر من الماضي الألیم، واستخدامھا كسلاح لتغییر كل أسلوب خاطئ ومعتقد بالي، كي تصنعي واقع أفضل لصغارك. وھنا تستحضرني ذاكرتي شخصیة كتابیة ممیزة لقبت بأستیر. ھذه الفتاة الصغیرة، التي لم تكن الأوفر حظاً في طفولة حاضنة، كانت كذلك في مستقبل مليء بالمجد.
فقدت الطفلة أستیر والدیھا في عمر صغیر، وعاشت زمن حرب وسبي، وتربت مع ابن عمھا. لربما امتلأت ھذه الفتاة لسبب فقدان الأھل والوطن بشعور عدم الأمان، لكنھا لم تتوقف ھناك، بل نراھا عندما كبرت، قد أصبحت فتاة مملوءةً حكمةً وذكاءً وشجاعة، فخاطرت بحياتها تلك التي فقدت الأمان، كي تسترد الأمان لشعبھا! إن الوعي بالماضي وتقبله على أنه فرصة للنمو والتعلم، من شأنه أن یخلق في داخلنا رغبة شدیدة للانطلاق نحو حاضر أفضل، وإدراك عمیق لضرورة تفادي أخطاء الماضي، واتباع أسالیب أنجع، وأقل ضرراً مع أطفالنا.
استخدمي قوة تأثيرك في تشكيل طفلك
لقد خلق ﷲ المرأة بتصميم فرید، لتكون قادرة على إحداث فرقاً، وترك أثراً ربما یمتد إلى أجیال. قد تستھین الكثیر من النساء بأدوارھن، فیحصرن أنفسھن في إطار البیت وإنجاب الأطفال، متجاھلات مدى تأثیرھن على شخصیات وحیاة أطفالھن. وھنا أتذكر شخصیة جمیلة، وامرأة فاضلة من العھد الجدید، وھي أفنیكي. ھذه المرأة الأمینة التى كانت زوجة لرجل وثني، أحبت ﷲ؛ واستطاعت أن تقود ابنھا تیموثاوس في طریق الإیمان، لیكبر ویصبح واحداً من أھم شخصیات العھد الجدید، ومن أھم الخدام المسیحیین الأوائل. في رسالة تیموثاوس الثانیة مكتوب أن تیموثاوس”منذ الطفولة كان یعرف الكتب المقدسة”. فمع أن والده لم یكن مؤمناً بالله، إلا أن افنیكي لم تقف عاجزة، بل زرعت منذ الطفولة كلمة ﷲ الحیة في أعماق ابنھا، مستخدمة سلاح التأثیر لكي تصنع فرقاً وتترك أثراُ في اعماق هذا الطفل!
بالحديث عن أهمية دورك في التأثير على حياة أطفالك ومستقبلهم، اسمحي لي ان أتحدث باختصارعن ضرورة الصحة الروحیة في حياتك. أتذكر ھنا أول امرأة في البشریة، حواء. لقد أثرت أفكار حواء على اختیاراتھا، ومن ثم سلوكھا وبالتالي علاقاتھا ومصیرھا الروحي. كان لحدیث حواء مع إبلیس تأثیر كبیر في كسر علاقتھا مع ﷲ، وتھدید علاقتھا مع زوجھا، لكن الأكثر خطورة، كان تأثیر حواء السلبي على أولادھا، إذ بكسر علاقتھا مع ﷲ، دخل الشر إلى بیتھا مؤثرا تأثیراً رھیباً على أولادھا، لیمتلئ أحدھما بالغیرة التي دفعته لقتل أخیه وحمل لعنة دمه الى الأبد!
اعتناءك بنفسك لإتمام دورك
إن كل ما ذكر حتى الآن قد یكون مفیداً وعملي، لكنه بلا جدوى أو فائدة، إن لم تكوني أنت بصحة جیدة! ما أعنیه ھنا ھو اعتنائك بنفسك عزیزتي، فصحتك الروحیة، النفسية والجسدیة، ھي عناصر بالغة الأهمية لتأھیلك لإتمام دورك في حیاة أطفالك. في رسالته الثالثة التي كتبھا لغایس، عبرّ یوحنا الرسول عن اشتھائه بأن یكون تلمیذه غایس ناجحاً وصحیحاً في كل شيء. لقد أدرك الرسول یوحنا الذي عاشر حیاة الرب یسوع في الجسد، وكان صدیقه الألصق، أن نجاح الشخص مرتبطاً ارتباطاً وطیداً بنجاح النفس.
إن الدواء الافضل لابقاء روحك بصحة جيدة هو مواظبتك على قراءة كلمة الحياة والتصاقك بأشخاص يحبون الرب محبة حقيقية تشعل في داخلك لهيب التغيير والتطور والنمو! ومع ذلك فلا تقتصر عنايتك بنفسك على الصحة الروحية فقط رغم أنها عنصر في غاية الاهمية، لكنك مخلوقة بطريقة فريدة وعجيبة قد تكون أكثر دقةً وتعقيداً وابداعاً مما تظنين. فالصحة الجسدية والنفسية هي عناصر اساسية لكيانك الداخلي. لذلك احرصي على ان تعتني بجسدك فهو هيكل الروح القدوس. تناولي طعام صحي لذيذ ومفيد ومارسي نوع من انواع الرياضة التي تحبين. إظهري بشكل يعكس اناقتك وذوقك واشراقتك الداخلية ووقارك! ولتعديل النفسية والمزاج لا بد من احتساء كوب من القهوة مع صديقتك المقربة التي تبث لك شحنات من الايجابية وتدفعك الى الامام وتنهض من انحنائك وتشعل فتيلة طموحك! تجنبي العلاقات السلبية التي تستنزف كل طاقتك وتبث لاعماقك سموم انت في غنى عنها. اسمحي للكتاب أن يكون صديقك وللطبيعة بأن تكون ملجأك فتستنشقي من خلالها انفاس منعشة تجدد طاقتك وحماسك لإتمام مهامك بكل اتقان.
وتذكري ان لكل امرأة وأم قدرة على التأثیر في حیاة أولادھا، وزوجھا، وعائلتها ومجتمعھا. لكن دنامیت ھذا التأثیر یتفعّل عندما تؤمن كل امرأة بقدراتها، مواهبها ودورھا، وتمتلئ برغبة شدیدة بأن تكون صانعة تغییر وصاحبة تأثیر، متمثلة بنساء الكتاب المقدس العظیمات، وبنساء فاضلات قائدات موجودات في حیاة كل واحدة منّا.