بقلم أمل قموع جريس
هل أنتِ من الأشخاص الذين يشعرون بالارتباك مع التغييرات المفاجئة؟ هل الارتباك يُعيق إتمام أموركِ الحياتية اليومية؟ هل تُربككِ القرارات المُستجدة وغير الواضحة والمتغيرة باستمرار؟ هل يُربكِك التفكير بأن تعليمكِ أو تعليم أطفالكِ سيكون عن بُعد؟ هل تراجع الوضع الاقتصادي يُثير قلقكِ؟
كلنا نعرف بأن الأزمات والكوارث والتغييرات الحياتية المُفاجئة،هي جزء من حياتنا التي تتطلب الكثير من الطاقات الذهنية والشعورية والجسدية والمادية. أضيفي إلى ذلك أمور حياتنا الروتينية الملزمة، سنجد أنفسنا لا محالة وسط ضوضاء هذا العالم ومتطلباته وصخبه وجلبته مرتبكين،ومنهكين وغير راضين. وكنتيجة نفقد الكثير من هدوئنا وهذا يؤدي إلى إفساد أيامنا المتوالية.
ماذا نعني بالارتباك؟ ما هي أعراضه؟ وهل يمكن أن نتعامل مع ارتباكاتنا المتوالية؟
الارتباك هو رد فعل انعكاسي لمشاعر تجتاح النفس الإنسانية مثل الخوف والخجل والقلق. الارتباك هو شعور يصدر عن الإنسان بطريقة لا إرادية ويعطل قدراته الفكرية، ويضعف مهاراته الاجتماعية، ويجعل النظرة سلبية للنفس والذات.
نوبة الارتباك تحدث نتيجة زيادة إفراز الأدرينالين بمعدل لا يمكن للجسم التعامل معه، فعلى الرغم من أن الأدرينالين يعمل على زيادة نشاط الجسم ويمنحه اليقظة والتركيز إلا أن المعدلات غير المتناسبة منه تعمل العكس.الشخص الذي يعاني من الارتباك يخشى نظرة الأشخاص من حوله ويشعر بأن الجميع يراقبه كما لو كان مركز الكون بالنسبة لهم. وهذا بدوره يسبب له القلق والاضطراب، والخجل من التصرفات التي تصدر عنه.
يولد الإنسان مع ثقة كبيرة جدًا بقدراته وبنفسه، وهذا ما يسمح له بالنجاح في كل التحديات وتحقيق الأمور الأصعب مثل تعلم المشي والنطق. ولو كان في حالة شك للحظة واحدة بقدرته على ذلك لما نجح أبدًا .ولكن يتعرض الإنسان خلال حياته لمجموعة من المواقف، والاختبارات، والأحداث المؤثرة التي من شأنها السماح للارتباك بالسيطرة!
بعض أهم أسباب الارتباك: أسلوب التربية الخاطئ، والتعرض للعنف والأذى، وفقدان شخص عزيز، والتعلق بالماضي وعدم نسيانه، والقلق المبالغ فيه، والتعرض لخيبات الأمل، والمرور بالضغوط الحياتية القاسية، وارتكاب الأخطاء والشعور بالذنب بدون العمل على تصحيحها.
توجد مجموعة من الأعراض التي تشير إلى أن شخصاً ما يعاني من الارتباك. أما درجة الارتباك التي وصل إليها فيمكن تحديدها من خلال ملاحظة مدى تكرار نوبات الارتباك ومدى وضوح الأعراض التي يعاني منها خلال كل نوبة .في حال كانت الحالة متقدمة والأعراض قوية جدًا ولا يمكن تجاهلها بالإضافة إلى تكرر النوبات بوتيرة سريعة عندها لا بد من الحصول على الاستشارة من معالج نفسي مختص.
معرفة أسباب الارتباك والتعامل معها يعتبران بداية العلاج. والتدرب على هذه المهارات ما هو إلا مسألة وقت إلى حين التعود على التحكم بالانفعالات الانعكاسية اللاإرادية.
سأنهي هذه المقالة بعرض بعض المهارات العملية لمواجهة الحياة المرتبكة:
- الحركة والتمارين الرياضية هما الوسيلة الأسهل لإعادة مستويات الأدرينالين إلى طبيعتها.
- التأمل والتنفس العميق يُعيدان التوازن إلى النفس بالإضافة إلى الفهم العميق والصحيح لكل من المشاعر التي تنتابنا والأحداث التي تدور من حولنا.
- تظاهري بالثقة حتى تملكيها، فالأمر ينجح في كل مرة، لأن الثقة من الأمور التي تُكتسب بمجرد الشعور بها.
- إحفظي وتدربي على بعض الردود والإجابات المميزة، فهي تساعد على تعزيز ثقتكِ بنفسكِ وتجعلكِ تبدين شخصاً غير متردد. متذكرين أن الارتباك يفقدنا الكلمات الملائمة لتصبح غير منطقية.
- تنمية الذكاء العاطفي: قومي بتسجيل وكتابة المواقف التي تعرضتِ خلالها للارتباك بالإضافة إلى المشاعر التي رافقت ذلك، وعندما تنتهين عليكِ إعادة القراءة مرة أخرى، فهذا الأمر يعمل على زيادة وعيكِ بالمشاعر التي تسيطر عليكِ، ويساهم في زيادة قدرتكِ على التعامل معها بدلًا من الخضوع لها.
- تخيلي المواقف التي مررتِ أو ستمرين بها كما لو أنكِ داخل قصة أو داخل لعبة بأبعادها الثلاثة. تخيلي الموقف المربك، ومن ثم عليكِ تجريب الردود المختلفة وطرق التعامل العديدة مع المواقف، وملاحظة الأخطاء التي اقترفتها والتوصل إلى علاج الارتباك الأنسب في كل حالة. هكذا ستكتسبين الخبرة في التعامل مع كل المواقف المشابهة لما تخيلته، هذا سيعمل على توسيع دائرة الأمان التي ترتبطين بها وتجعلكِ شخصاً قادراً على التكيف.
- اكسري الصمت الغريب الذي يلف الحديث فهو أكثر الأمور التي تسبب الإزعاج والارتباك. يمكنكِ ذلك من خلال: توجيه أسئلة مفتوحة، أو توجيه المزيد من الأسئلة حول الموضوع، أو إظهار الاهتمام، أو إظهار الفضول.
- اندمجي واتركي دائرة الأمان الخاصة بكِ، فأنتِ لا تصابين بنوبة الارتباك عندما تكونين برفقة أصدقائك المقربين أو أفراد عائلتك، أو أثناء سيرك في طريق منزلك المعتاد، وعند القيام بالأعمال التي تتقنيها. فأنتِ في هذه الحالات تتواجدين في دائرة الأمان والتي تعتبر مصدر الطمأنينة بالنسبة لكِ. وهذا ما يفسر الشعور بالارتباك عند التعرض لمواقف مغايرة. لذا وسّعي هذه الدائرة وتعلمي كيفية الاندماج بسرعة مع أي تغير بسيط ومفاجئ، هكذا تكونين في طريقك إلى علاج الارتباك بشكل جذري، وتحويله إلى وسيلة لزيادة قدراتكِ.
- الخوف والقلق ما هما إلا وهم: إن الخوف والقلق الذين يعتريانك ويصلان بكِ إلى حد الارتباك الشديد ما ها إلا نسج من خيالك لأمور لم تحدث بعد، هي ليست إلا وهما. وهم كبير وقد سمحتِ له بالسيطرة عليكِ كما لو كان حقيقة قائمة. لذا فالحل الأفضل في هذه الحالة هو مواجهة مخاوفكِ وإبعاد الأوهام، وفهم أن الحقيقة هي قدرتك على التعامل.
علاج الارتباك ما هو إلا مسألة وقت إلى حين التعود على التحكم بالانفعال. القواعد والخطوات السابقة لها دور كبير في تسريع المواجهة، لذا ابتسمي من جديد واضحكي بصوتٍ عالٍ، وتحدثي مرة أخرى، وعليكِ السير في وسط الطريق، توقفي عن الخوف والخجل والارتباك، وسيطري أنتِ.