بقلم د. مدلين سارة.
“ما أصعب الحياة، كلها أوجاع وآلام ومآسي”! عبارات متشائمة نسمعها باستمرار ونسقطها على واقعنا فنتوافق معها وكأنها موجهة إلينا بشكل خاص؟ من منكم لم يسمع مثل هذه العبارات؟ ومن منكم لم يمر بلحظات ضيق؟ من منكم لم يعش الأزمات والتحديات؟ هذه تساؤلات مشروعة وواقعية لأن حياتنا في هذا العالم القاسي لا تخلو من الأزمات والصدمات. ولكن السؤال الملح والموجه إلى أعماق كل إنسان: هل سنستمر نندب حظنا أو نعيش ضحايا الظروف المعقدة والصعبة ونستسلم لما يرميه الشر على شطوط حياتنا ومياهها فيلوثها، سامحين لقتل كل أمل ورجاء فينا؟ أم نختار السعادة رغم صعوبة تحقيقها؟ فما هي الأزمات وماذا بإمكانك كامرأة أن تفعلي حيال الأزمات الطبيعية والمفاجئة؟
يُعرّف علم النفس الأزمة على أنها مأزق ضاغط يؤثر على جوانب حياتك المختلفة، السلوكية والاجتماعية والوجدانية يؤدى إلى فقدانك الشعور بالسعادة وبالتالي يشلّ دورك الاجتماعي والوظيفي في الحياة. وفي حال تطورت الأزمة في حياتنا مُسببةً عدم اتزان يربك ترتيباتنا وحياتنا الروتينية، فانه يتحول إلى ما نسميه الصدمة، التي هي أكثر شدة من الأزمات وتسبب ضغوطات نفسية شديدة. وما يميز الصدمة عن الأزمة هو تأثيرها على الأشخاص، فشدة الحدث والفروق الفردية لدى البشر تتفاوت في طريقة التعامل معها وطريقة اجتيازها. فإن تعسر على الإنسان التعامل معها فإنها قد تتحول إلى اضطرابات نفسية كالاكتئاب والوحدة والقلق ومشاعر الذنب واضطرابات أخرى. ولكون المرأة حساسة وعاطفية أكثر من الرجل فإنها أحياناً تحتاج لمساعدة ودعم أكبر لتخطي المحنة والاستمرار في الحياة.
إن ما تمُرين به من أزمات أمر طبيعي جداً، نسميه أزمات حياتية طبيعية، كما هو الحال في الولادة، أو ولادة أخ أو أخت، أو سفر أحد الأقارب، هجر أحد الآباء، البلوغ وحتى الزواج، فمنها ما هو أزمة اقتصادية أو سياسية أو اجتماعية أو نفسية. وبلا شك فإننا جميعنا قد تعرضنا في فترة ما إلى أزمات وصدمات بشكل أو بآخر.
لقد شهدت حياتنا في الفترة الماضية أزمة وربما صدمة بما عاينته عيوننا وما سمعته آذاننا وما أدركته قلوبنا من مشاعر الخوف والألم والحزن والظلم جرّاء الحرب التي عاشتها بلادنا نتيجة تفاقم الصراع السياسي. ويأتي إصدار عددنا الثالث بعد أن وضعت الحرب أوزارها ولكن الأحداث المأساوية والدمار لا زالت أثارها ماثلة في القلب والوجدان ولا زالت تداعيات الحرب تتلاعب بمستقبل وحياة الضحايا بشكل مباشر أو غير مباشر وهذا بدوره أثار موضوع الأزمات بشكل عام. إذن كيف نواجه هذه الأزمات ونخرج من معاناتنا أكثر قوة من اجل إحداث التغيير الايجابي في حياتنا.
دعونا نفهم أولا أعراض الأزمة:
1-استرجاع الشعور: فقد تعانين من نفس الشعور أو الأفكار التي شعرت بها وقت الأزمة، من خلال عدة صور أو أصوات أو روائح أو أماكن أو أشخاص أو حالات أو حتى مشاعر معينة.
2-تجنب مواقف مشابهة: إذ قد تحاولين تجنب مواقف أو مشاعر أو حتى أشخاص يثيرون موقف مشابه أو حتى الذكرى نفسها، وقد تفقدين الأنشطة التي كنت قبلا تستمتعين بها لأنها قد تحوي إشارات مرتبطة بالحدث.
3-سرعة الإثارة والعصبية: كما وقد تعانين من الصعوبة في النوم ومن الكوابيس والأحلام المزعجة أو الصعوبة في التركيز وحتى الانفجار في الغضب مما يسبب العزلة والوحدة.
4-أعراض جسدية: صداع، ألم في المعدة، ضيق نفس، رعشة، عرق، الشعور بالتعب الدائم أو بالعكس النشاط الزائد، …
5-أعراض سلوكية: الحذر المبالغ، الإكثار من الحديث، الفزع والرجفة.
وأعراض أخرى قد تشمل القلق والحزن والخوف والاكتئاب الحاد والشعور بالذنب، وأحيانا الشعور بالعار والخجل، أو فقدان الهدف أو القيمة بالحياة.
وحتماً لكل واحدة منا طريقة مختلفة للتعامل مع الأحداث ورؤيتها، فالبعض تهوّن وتصغّر الحوادث والأخرى تهوّل وتكبّر من حجمها، ولا نغفل دور البيئة المحيطة وتأثيرها في دعمنا أو إحباطنا.
وأما كيف لنا التخلص من الصدمة والتغلب عليها؟
أولاً: علينا أن نتذكر أن الوقت عامل مهم جداً للتخلص من تلك المشاعر القوية، وطبعاً سيعتمد الوقت على شدة الصدمة ومدى قربك من الحادث أو الشخص أو المأساة.
ثانياً: هنا يتوجب علينا التنويه الى أهمية تسوية الأمور مع الشخص المسبب. من المتوقع أنك قد لا تكونين على استعداد لمغفرة من أساء إليك أو عدم تواجد الرغبة في تسوية الأمر مع المسيء، ولكن عليك إدراك أن المتضرر الأول من عدم المغفرة هو أنت، إذ ستصبحين سجينة الغضب والمرارة ومشاعر الانتقام الذي سينجم عنه أمراضاً جسدية.
ثالثاً: فيما لو استمرت أعراض الصدمة في التأثير على حياتك الطبيعة، فلا عيب في طلب المشورة والمساعدة. فالاستشارة تساعد في تعلم طرق التأقلم مع المشكلة وطبيعة الحياة الجديدة جراء الحادث والموقف المتأزم. فأنت بحاجة إلى:
– فرصة لتعبري فيها عن انطباعاتك ومشاعرك ومخاوفك وردود فعلك قبل وأثناء الحادثة.
– مساعدة في استخراج طرق للتواصل مع الحياة من خلال الحادث عن طريق فهم ما حدث ومن خلال مشاركتك اختبارك.
– تنمية قدراتك من أجل مواجهة وتحمل حدث آخر مشابه من خلال تعلم طرق ردود أفعال بديلة للتخفيف من وطأة وحدّة الحدث على حياتك الطبيعية.
رابعاً: أنت تحتاجين لبعض الوقت لإعادة الاتزان إلى حياتك العائلية، المهنية، والاجتماعية.
نحن بحاجة ماسّة إلى الشفاء النفسي، فنحن نتذكر الحدث ثم نغضب وثم ننوح ثم تبدأ مرحلة قبول الواقع والرغبة في التأقلم وتغيير ردود أفعالنا لتكون صحية ومسيطرة وقوية.
وأخيرا وليس آخراً، عليك أن تعودي إلى الله وتثقي أنه في النهاية قادر على تغيير الأمور وتحويل النواح والحسرة إلى فرح، وبكاءك إلى ضحك ويأسك إلى ابتهاج. وتذكري أنه في معظم الأحيان يُظهر الله لكي نفسه في هذه الأوضاع، وستنمين في الإيمان وتنمو ثقتك به! إنها أوقات يحاول الله جاهداً استقطاب انتباهك إليه وتسليم حياتك له، لتبدئي معه مرحلة جديدة، حياة بمنظار ومعنى وهدف جديد.