بقلم د. مدلين سارة

أخصائية تربية ومستشارة نفسية مسيحية

لا شك ان مشاعرنا هي تلقائية وهي نتاج وجزء أساسي من تجربتنا الانسانية، وبالتالي تؤدي هذه المشاعر أدواراً ضرورية تماما كالأدوار التي يقوم بها العقل والإرادة الانسانية، اذ تقوده وتوجهه الى سلوك معين او موقف محدد. فالمشاعر لها دور في التأثير على ردود افعالنا وتصرفاتنا. كما يجب ان ندرك بان مشاعرنا تستند الى أسس كيميائية وعصبية بحيث تتفاعل داخل ادمغتنا كافة المؤثرات البيئية وتفاعلاتنا العلاقاتية المحيطة بنا، ما يؤدي الى ارسال أوامر الى أجهزة الجسم تظهر باشكال مختلفة تبعا لطبيعة المؤثرات; كتسارع في خفقان القلب، واحمرار الوجنتين، والرجفان واصفرار الوجه من الخوف وتعرق اليدين  او الصدمة…..الخ

         تتباين ردود افعالنا تجاه المواقف التي نتعرض اليها وفق توجهاتنا ومكوناتنا الشخصية ونهجنا في الحياة. البعض ينجرف بردود الفعل العفوية  ويتركها تسيطر عليه ويحولها الى حقيقة مطلقة. هذه الفئة تستسلم لرد الفعل اللحظي وتحوله الى مكون جوهري من مكونات الشخصية بحيث ينصهر بداخلنا ويثبت في اللاوعي ظنا منا انه يمثلنا ويميزنا. لكن، وللأسف عندما تكون الفكرة المسيطرة سلبية ونقنع انفسنا بالتركير على “هيك انا”، فهي حال من تقول “أنا خويفة” ” أنا جبانة” “انا حساسة”، فنجد ان هذه الفئة تقع فريسة لدائرة مغلقة من التثبط والحزن والكآبة والحبس الذاتي، خاصة اذا كانت المشاعر قوية وغير واقعية.

البعض الاخر يتخذ نهجا مغايرا ومعاديا للمشاعر في محاولة لكبت الشعور والتركيز على العمل والانجاز بعيدا عن العواطف وعدم التلامس معها، والتي تحتل جزءا كبيرا واساسيا من كينونتنا ووجداننا. هذه الفئة تقتل اهم مكون من مكوناتنا الانسانية والتي تميزنا كبشر، فنجد تلك الفئة بعيدة عن الإحساس والتعاطف والشعور مع الآخر أو حتى مع أنفسهم، هذا بدوره يفقدهم التوازن والموضوعية في معالجة امورهم المهنية والاجتماعية والعائلية. واذا طغت عليهم المشاعر فهي غالبا سلبية كالعدوانية والمرارة ومشاعر ناقمة، وتستخدم الحيل الدفاعية لكبت ودفن تلك المشاعر. للأسف، هذه الفئة تنفصل عن ذاتها وعن الاخرين وتدفن عواطفها وتعاكس الطبيعة البشرية. وللأسف فأن البرودة العاطفية تختزل الوجود الالهي بداخلنا، لأن الهنا اله علاقاتي.  وعندما تغلب هذه الفئة الإنجاز على العلاقات تفقد لغة التواصل مع الاخرين، ولا يرتاح الاخرون بالتعامل مع مثل هذه الفئة التي قد تتسم أجواء التواصل بالأنانية والبرود العاطفي والزيف، والتواصل الوحيد الممكن مع هؤلاء هو فقط التواصل الوظيفي.     

فبعد أن ندرك أن المشاعر ليست سلبية، علينا بالتعلم المستمر كيف نتعامل معها. فحتى ما نسميه وننعته بالشعور السلبي انما هو مؤشر على وجود عامل أو موقف يتطلب من الانسان التعامل معه وليس بالضرورة نعت الشعور سلبياً. لذلك سنخصص هذا العدد لمواجهة مشاعر الخوف التي تبدو طاغية ومسيطرة على قراراتنا وتوجهاتنا. ذلك الشعور الذي يكبل تقدمنا. رغم أن شعور الخوف قد يخدم لصالحنا في حالات معينة لكن لنحذر لأن سيطرته علينا قد يقيُدنا ويعيق مسيرتنا ويدمر حياتنا. 

لا أحد يرغب العيش تحت سيطرة مشاعر الخوف. لكن دعونا نتفحص تفاصيل مخاوفنا ودلالاتها والى اين يقودنا هذا الشعور الذي نعتبره سلبياً. طبعا للتجربة الإنسانية الذاتية دورا في تطوير مشاعر الخوف في داخلنا، فالبعض اعتاد على الخوف من القطط أو الكلاب وذلك لموقف معين تعرض له سابقا وهذا ما سيثير شعور الخوف بداخله في كل مرة يواجه كلبا او قطاً. 

تعد الاستجابة الفسيولوجية الطبيعية للخوف والمعروفة ب : FFF  

  • Freeze التجمد (البقاء بلا حركة)
  • Fight القتال (المواجهة)
  • Flight الهروب (الفرار)

فلتنفق معا  بعد اليوم أن نعتبر الخوف منبهاً لمشكلة ما يشير اليها جسدنا. أو قد يكون بمثابة تحذير للابتعاد عن اشخاص أو مواقف أو علاقات أو تعاملات. فبدلا من اتباع طريقة للتغلب عليه، قد يكون المطلوب منا تدريب ذواتنا على الإصغاء إليه. فمشاعرنا هي أداة تقييم للخبرة التي نواجهها في اللحظة الآنية. فمثلا لو انتابك شعور أن هناك خطأً، فغالياً الأمر كذلك.

لذا سأتناول معكم طرق بها نستطيع تجيير مشاعر الخوف لصالحنا. فقد اثبتت دراسات نفسية أن النساء تستجيب أكثر من الرجال للرسائل القائمة على التخويف أو ما يسمى “نداءات الخوف”. فالنساء أكثر حذراً وأكثر قدرة على تقييم وفحص المواقف والتجارب الحياتية. وقد يعود السبب الى أن الخوف يفرز هرمون الدوبامين والنساء يتفاعلن معه بشكل أسرع، وهذا الهرمون هو ما يفاقم مشاعر الخوف ويؤدي الى التأثر فيدفع الشخص الى التحرك والقيام برد الفعل. 

اليكِ بعض الأمثلة الحياتية: نخاف على أماننا في الشارع ونحن نمشي لوحدنا في مكان معتم، وهناك مشاعر خوف التي تنتابنا أثناء السياقة في منطقة نائية وموحشة، أو عندما  يموت عزيز كنا نعتمد عليه كثيرا في حياتنا (كشريك أو والد\ة)،  أو تلك المشاعرالمرعبة بفقدان السيطرة عندما تفقد احدنا عملها ومصدر رزقها، أو لربما دخلنا بعلاقة غير صحية ومؤذية …ألخ . فلنفحص معاً كيف بإمكاننا اليوم التعامل كنساء، أو بالأحرى كيف بإمكاننا التفاعل وتعزيز السلوكيات والطرق الصحية لاجتياز المحن ومسببات التنبيه لرسائل الخوف التي نتلقاها.

اليك بعض النصائح:

تقبلي شعورك وعبري عنه: لا تندفعي بسرعة لتغيير مشاعرك. كلنا قد نقع في هذا المطب. نريد الفرار وعدم مواجهته وتجنب المصدر. غوصي باعماق شعورك وعبري عنه لأشخاص موثوقين أو لربما بالكتابة. يقال أن التنفيس البطيء يساعدنا على تجاوز هذه المشاعر، كما أنها تدربنا وتمكننا من تخيل السيناريوهات مرارا ومن خلالها نتدرب ببطء على مواجهة ما يخيفنا. أما اذا كان من الصعب عليك مواجهته بنفسك، فاطلبي مساعدة الاخرين. لسنا مضطرين ان نجتاز المحن لوحدنا. ان لم يكن شخص من بيئتك القريبة، استعيني بأخصائي نفسي أو أخصائية نفسية.

قومي بتقييم المخاطر: أحياناً ينتابنا الخوف لأننا لا نمتلك اليات المواجهة. فمثلا امرأة تتعرض للاساءة بشكل متعمد ومستمر بالمنزل، تخشى رفع شكوى أو طلب الإنفصال لأنها نشأت في ظل ثقافة حرمتها من حقوقها وقدرتها على التفكير بحرية وموضوعية وترسخت في اعماقها مقولات  “ظل راجل ولا ظل حيطة” وتتمسك بالزوج الذي تحول هو نفسه الى مصدر خوف. لكن عندما  تستشير شخص مختص او جهة امنية أو رجل دين مسؤول وأمين، فقد يفسر لها أن هناك إجراءات كنسية وامنية قد تساعدها وتحميها، وانها ليست مجبرة ان تستمر بالعيش تحت وطأة هذه الإساءة. فعندها تتبدد مخاوفها وتستطيع  حماية نفسها وحماية أولادها. وهكذا ستتمكن من معرفة الحقائق بواقعية وستتمكن من اتخاذ القرار الصحيح.

وكذا المرأة التي فقدت زوجها، ولم تعتد على انجاز المعاملات المادية مع ما يعنيه ذلك من دفع للرسوم المتنوعة كتسديد الدفعات الشهرية والتعامل مع البنوك والمؤسسات الدولية، سينتابها رعب من الحياة التي تنتظرها  بعد فقدان زوجها. لكن مع الوعي ومساعدة الاخرين والمواجهة والتجربة ستتعلم بالتدريج كيف تقوم بهذه المهام ، مع العلم ان القدرة على تأدية المهام لا يلغ وطأة الألم والاعباء الإضافية الا انه سيمكنها من مواجهة امورها الحياتية. 

اعيدي صياغة طريقة تفكيرك بالخوف: ابتعدي عن تقييم شعورك بالخوف على انه حالة سلبية، بل تساءلي عن ماهية عواطفك وعن الاشارات الجسدية التي تقرع لك جرس الانذار لتتعلمي وتتنبهي الى الطرق التي تؤهلك لاعادة التقييم .

فلو بكل مرة تحدثت مع احدهم او ذهبت الى مكان ما أو تعاملت مع الاخرين، انتابتك مشاعر الخوف، قد يكون هناك شيء داخلي عليك مواجهته، وقد تكوني قد عشت سنين عمرك خارج وعيك ، مثلا عن طبيعة شخصيتيك المتحفظة أو قد تشير مخاوفك بانك  تمتلكين معتقدات خاطئة عن نفسك، “أنا فاشلة” “أنا ضعيفة” “أنا أفتقر إلى الثقة. أو يوجد احتمال اخر ان علاقتك بهؤلاء الأشخاص او تواجدك في هذا المكان يتطلب منك المزيد من الحذر فيتحول الخوف الى منبه لاعادة التقييم من اجل التعامل بطريقة اكثر نضوجا واكثر واقعية وليس تحت تأثير الخوف المرضي .

         احيانا قد ينبهك شعور الخوف  ويساهم في حمايتك من اقتراف خطأ ما. أحيانا ترغبين في اتخاذ قرار ليس في صالحك. كرغبتك في ترك عملك فقط لان زميلتك لا تروق لك. او الزوجة التي تشعر ان دخول احدهن الى حياتهما قد يشكل تهديداً لعلاقتها الزوجية، أحيانا قد لا تدرك التأثير الى ان تبدأ الزوجة بالشعور بالخوف. أو البنت التي تخشى الزواج من شخص متصلب بالرأي. لذلك اصغي لتلك المنبهات واعتبري مشاعر الخوف بانها مجرد منبه لحمايتك وتوجيه قراراتك.

وأخيرا خلقنا الله بطبيعة مميزة فانصتي جيداً لهذه المجسّات ولا تتغاضي أو تنكري الشعور ولا تسمحي ايضاً ان يعوقك، فقط تعلًمي كيف تتعاملي معه وتوجهي فكرك وسلوكك بحيث يخدم لصالحك. وتذكري أن “لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ:… صَنَعَ الْكُلَّ حَسَنًا فِي وَقْتِهِ، وَأَيْضًا جَعَلَ الأَبَدِيَّةَ فِي قَلْبِهِمِ، الَّتِي بِلاَهَا لاَ يُدْرِكُ الإِنْسَانُ الْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُهُ اللهُ مِنَ الْبِدَايَةِ إِلَى النِّهَايَةِ.” جامعة 3

فوراء كل ظرف وزمان وحالة شعورية هدف وأنت سيدة الموقف.

.