بقلم ماري سمعان

عندما أفكر في مفهوم العائلة، كثيراً ما يراودني السؤال لماذا العائلة؟ لماذا أوجد الله العائلة؟ لماذا صُممنا أن ننجب أولاد، وثم ندعهم يكبرون ببطيء إلى أن يصبحوا شبابا ويشقون طريقهم بأنفسهم.

قبل الزواج كان لديّ تخيل وتخطيط أنني سأعامل أطفالي بمثالية غير واقعية، أني سوف أقضي أوقاتً ممتعة معهم، وبالطبع عندما أصبح لدينا أطفال كنا فرحين بهم وفعلت الكثير مما قد خططت له، ولكن اصطدمنا في واقع مختلف قليلا، واقع أن الطفل ليس فقط ذلك الطفل الذي يبتسم كل حين، أو الذي دائما يكون في صحة سليمة أو هذا الطفل المطيع دائماً. وأدركنا أنه هناك دور قد لا نرغب بممارسته وهو التأديب والإنذار والرعاية والمتابعة، وهي أمور قد لا نرغب بوجودها لكنها واقع علينا التعامل معها بحكمة، وقد فعلنا وما زلنا نفعل.

اصطدمنا بواقع ظهور جيل التكنولوجيا والانترنت ووسائل التواصل، التي أخذت كثيرا من وقت تواصلنا معا والتي أصبحت أسهل الطرق للتسلية الغير هادفة من الكبير إلى الصغير وحصرت التسلية والإبداع، وغير ذلك من تحديات تأمين المعيشة والعمل والتنسيق بينه وبين الأوقات التي نقضيها معا، إلا أنه بالرغم من أن المثالية التي خططت لها لم تحدث كما توقعت، إلا أننا تمكنا من أن نستمتع بنعمة العائلة في كل مراحلها، وأرغب أن أشارك بعض الأمور التي ساعدتنا على ذلك:

إحدى أهم الأمور التي قد تنزع السلام والفرح في العائلة هي هموم الحياة وأعبائها، إلا أننا كعائلة مسيحية مؤمنة اخترنا أن نقبل كلمات الرب يسوع بخصوص الهموم، إذ قال:”لا تهتموا بحياتكم بما تأكلون أو تشربون أو تلبسون…لكن اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم.”وهكذا في كل مرة أتت الهموم تقرع أبوابنا كنا نرفضها متمسكين بإيماننا بأن الرب يرعانا وأنه يدبر جميع احتياجاتنا، وهكذا اختبرنا عناية الرب بنا في أصعب الظروف والمرض وخرجنا منتصرين، واختبرنا العديد من المعجزات التي تؤكد عناية الله بنا. وكنا نشرك أولادنا بأن يصلوا لاحتياجاتنا، وكم كان من الرائع أن يروا تدخّل الله بطرقه العجيبة، الأمر الذي زاد من إيماننا جميعا وعلمهم كيف يثقوا بالله.

كما اخترنا أن نستمتع بجميع مراحل حياة أولادنا ببساطة، وأن نتقبل الفوضى والأصحاب، وأن نستمتع برؤية أولادنا يكبرون أمامنا دون تعقيدات، ونتذكر أن السنين التي سنقضيها مع أولادنا قصيرة، وأن الحياة كلها قصيرة، وأننا لن نحمل معنا بعد خروج أولادنا إلى عالمهم الخاص إلّا الذكريات الجميلة التي صنعناها، لذا فلنحرص على بناء ذكريات جميلة تصاحبنا حتى النهاية.

بالرغم من عدم كمالنا ونقائصنا الكثيرة، أستطيع أن أقول اليوم أن العائلة هي نعمة عظيمة، فهي كالنبتة التي ترعاها وترويها وتفرح بظهور ثمرها، وإن كان ذلك ليس فوراً، لكن من المؤكد أن ما نزرعه من حب ورعاية وإنذار وتأديب، وما نتركه من مثال في سلوكنا ومواقف حياتنا سيزرع في قلوبهم ليتمثلوا به في حياتهم ويسلكوا به.