نسائُنا وفتياتُنا بين مطرقةِ الهيمنة الذكورية وسندان الشلل المجتمعي
بقلم أ. فيرا بابون
رئيسة بلدية بيت لحم السابقة، وعضو في المجلس الوطني الفلسطيني والاتحاد النسائي، وأخصائية ومستشارة في النوع الاجتماعي.
محمود درويش خاطب فلسطين بجوهرها ورمزيتها وواقعها قائلاً: “على هذه الأرض ما يستحقّ الحياةْ: على هذه الأرض سيدةُ الأرض، أم البدايات أم النهايات. كانت تسمى فلسطين. صارتْ تسمى فلسطين. سيدتي: أستحق، لأنك سيدتي، أستحق الحياة. “
على هذه الأرض سيدة الأرض ومن رحمها ولدت المرأة الفلسطينية. هي العظيمة والحُـرة أم الأحرار. وُلِدت من رحم المعاناة فأنجبت وربّت وعلّمت وصَنعت وعلمت وصمدت وصبرت وناضلت وضحّت لتنتصر لا محالة. لتنتصر لا لتُقمع ولتُقصى ولتُعنف، لتنتصر لا لتقتل بأيدي أبناء دمها وأرضها. كانت تسمى المرأة الفلسطينية صارت تسمى المرأة الفلسطينية وستبقى تسمى فلسطينية. سيدتي, أيتها الأم والأخت والابنة والزوجة والمناضلة والصامدة والمبدعة تستحقين الحياة فقد ولدت من رحم أرض “هي سيدة الارض ام البدايات أم النهايات. “
نعم، إن المرأة الفلسطينية تستحق الحياة. ولكن ما أصعب ان ينتقل النص وتتبدل المعاني أمام واقع وجب علينا جميعا، نحن ابناء هذه الارض وهذا الشعب، أن نقف امامه ونعترف أمام ذواتنا وضمائرنا وشعبنا بكافة اطيافه على أن في فلسطين ما زال هناك نساء تقتل وصرير صراخهن يصل عنان السماء. صراخ يقول كفى تجبراً وبطشاً، صراخ يحفر في ضمائرنا صدى الصوت المقهور والمتألم مخترقاً جدران بطش ذكوري يرى في الرحمة والكرامة انتقاصاً لرجولته إن وُجِدت.
لم يمضي الكثير من الزمن على موت إسراء غريب وما زال صوت صرختها حي ونابض في وعي وذاكرة الشارع الفلسطيني والعربي. كان الرفض والاستنكار في حينها من الصغير قبل الكبير ومن النساء كما الرجال ومن المؤسسات الحقوقية كما الحكومية، ولم تتوقف وسائل التواصل الاجتماعي والشبكات الإعلامية عن متابعة حيثيات قضيتها حتى يومنا هذا. لم يمضي الكثير من الزمن على قضية اعتقدنا فيها أن إنسانية الصرخة وحِدّتها سوف تخلق وعياً مجتمعياً رادعاً يرفض جبروت واستبداد من يمارسون التسلط والصَلْف الذكوري على بنات أرحامهم.
في أشهر مُتعاقبة من عام ٢٠٢٠ قُتلت الطفلة آمال الجمالي والشابة العشرينية مادلين جرابعة في غزة من قبل أباءهن وذنبهن هو التواصل مع أمهاتهن المعنفات والمطلقات، وكُشفت جريمة قتل نورة السعيد التي غابت عن الخارطة السكانية والمجتمعية والعائلية لمدة عشر سنوات ولم يلحظ غيابها أو يسأل أو يكشف عنه أحد حتى جاءت الصدفة لتُنصفها وتكشف جريمة قتلها ورميها في بئر قديمة من قبل والدها قبل عشر سنوات. واستفاق الوطن قبل شهر ليشهد قتل رزان مقبل على يد ذَكرٍ اسمه على الاوراق وبين الناس خطيبها ومن كان سيصبح زوجها. رَسمت له صورة في ذهنها لا تمت بصلة لبشاعة وجبن ودونية حقيقته. وكانت نهايتها.
جميعهن فُقِدنَ بين مطرقة الهيمنة الذكورية وسندان الشلل المجتمع. ولكن ألا يُعد العدل من القيم العليا التي تتحقق بها إنسانية الإنسان الحقة! . فكيف يُخلى سبيل القاتل بعد شهرين لأن “أولياء الدم” تنازلوا عن حقهم في مطالبة العدالة من أجل روح وكرامة وإنسانية من قُتِلت؟ أوليس القاتل هو نفسه ولي دم؟! فكيف يكون هو ذاته الجلاد والقاضي في أن واحد؟! ومن هم أولياء الدم المقربون الذين يتنازلون؟ أهي الأم المطلقة والأبناء من حولها؟! هم أنفسهم مستضعفون ومعنفون،فكيف يصبحون بين ليلة وضحاها أدوات لخلاص الجاني؟!
باي ذنب قُتلنّ؟ لا ذنب لهن بل ذنب معادلة مجتمعية وثقافية لظاهرة تراكمية تعكس هيمنة العقلية الذكورية على الكثيرين من رجالنا أو نسائنا فنحارب ونتردد ولا نجزم في تبني وتطبيق قوانين حماية الأسرة وغيرها من القوانين الرادعة.
تتعدد جذور عمليات قتل النساء وخلفياتها ومسمياتها وأشكالها في فلسطين ما يتطلب من الجميع الفلسطيني كل من موقعه، الوقوف أمام هذه العمليات وتفحصها من كل جوانبها لمحاربتها والقضاء عليها.
لم يعد المرور على انتهاكات حقوق المرأة أمرًا مقبولًا؛ فليس من العدل النظر إليها وكأنها جزء من الموروث الاعتيادي، يحق للرجل إنهاء حياتها بذرائع لا تستند إلى دين ولا قانون؛ ما يحتم ضرورة إيجاد رادع بمستوى الجريمة والانتهاك الذي تتعرض له.
تبنى منتدى المنظمات الأهلية لمناهضة العنف ضد المرأة فكرة مشروع القانون كمطلب رئيسي للمنتدى في مواجهة ظاهرة العنف ضد المرأة. وفي كانون أول من العام ٢٠٠٨ عقد مؤتمر وطني بعنوان “نحو تبني قانون حماية الأسرة من العنف” وجرى من خلاله الإعلان عن مسودة مشروع قانون حماية الأسرة من العنف . وفي خلال أعوام ٢٠١١_٢.١٣، ٢٠١٦، ٢٠١٨، وحتى ٢٠١٩ والمؤتمرات والجلسات والمناقشات والمناشدات قائمة ومستمرة من أجل أن يتم إقرار قانون ما زال يقبع بأوراقه وحبره صامتا على الرفوف أو في الدروج. إقرار قانون عسى ولعلّ أن يشكل ثقافة تقول أن الفتاة والمرأة الفلسطينية هي ابنتيوابنتك أختي وأختك لها الحق في الحياة والصوت والعدالة والكرامة والإنصاف.
الكاذب هو سارق للحقيقة والمُعَنِف هو سارق للكرامة والقاتل هو سارق للحياة. ولكن البعض وللأسف يشعر في قمع وتعنيف وإزهاق أرواح نسائنا و فتياتنا برجولة هو فاقد لها وبانتصار ممحوق الانتصار.