بقلم د. مدلين سارة- مستشارة نفسية مسيحية
كالفصول الأربعة نحن البشر، لا ننفصل عن الحركة الكونية بدورانها وتنوعها ونكهاتها التي تميز كل فصل وكل حالة. فللربيع ألوانه وسحره يعقبه الصيف بحرّه وجفافه إلى فصل الخريف المندفع بقوة للقاء العواصف والأمطار الشتوية.
حركة دوران متكاملة ومتناقضة تجسد رحلة حياتنا التي تتعثر أحيانا وتتألق أحيانا أخرى، وما بين المد والجزر علينا التمسك بالشعرة الرقيقة وربما الباهتة التي يجب أن تربط التناقضات بالمتغيرات، وتسخرها لبناء جسور المستقبل الواعد المعزز بالثقة والإيمان، والمتميز بالرؤية الواضحة المكتسبة من خبرات الماضي والحاضر. وكما يقول الكتاب في مزمور30: 5 “عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم.”
كلنا انتعشنا برائحة الياسمين الربيعية وتألمنا لسقوط أوراق الاشجار الصفراء الخريفية. اذن، لا بد أن نختبر الالم بسبب فشل أو خيبة أمل أو حتى فاجعة كبيرة، لكن هذا الألم سيقودنا حتماً الى اكتشاف أسرار الحياة وتقدير كل النعم من حولنا وسيشد من أزرنا ويحمينا من لصوص الفرح.
الله سيستخدم كل ظروف حياتك للخير وسيمنحك القوة والمعرفة والحكمة والفهم ليرتقي بك الى مفهوم عميق يجعلك تقدرين حياتك وكافة الهبات التي أغدقها عليك الرب إلهك.
الحيرة تدفعنا للتساؤل، هل يجوز أن يأتي الفرح نتيجة الضيقات؟
في مراحل مختلفة من حياتنا تغمرنا النعم والمباهج ونغرق في بحر من السعادة ونعتقد أنها سعادة لامتناهية لكننا في مرحلة أخرى نقع فريسة لليأس ونسقط في حفرة من الحزن والحسرة نتيجة تجربة عاطفية فاشلة أو خسارة مادية، أو أحلام تبخرت أو حتى فاجعة حقيقية مع كل ما تحمله من ألم وعذاب وقلق.
كثيرة هي المواقف القاسية التي واجهتك أثناء محاولتك اختراق الحواجز بحثا عن لمعان مزيف، حيث قطفت ثمار هذا الزيف حزنا وبؤسا ويأسا. لكن الخبر السار أن ألمك سيتحول الى فرح وهذه التجارب هي نفسها التي تحمل أدوات الفرح الحقيقي. لكن الاكتشاف الاعظم والذي يسمو على الوعي والعمليات العقلية هو التدرب على استخدام أكبر مصدر للفرح.
- بالتجربة ستكتشفين مصادر الطاقة القادرة على شحنك عاطفياً وروحياً، فحياتنا مليئة بالأشخاص: عائلة، وأحباء، وزملاء عمل، وجيران، ومعارف وهناك أيضاً الأصدقاء. ولكن كيف نستطيع التمييز بين الأصدقاء الحقيقيين والغير حقيقيين؟ نلتقي بأشخاص مختلفين وننسج علاقات صداقة لكنها في جوهرها علاقات هدامة تجعلنا أسوأ وتدمر حياتنا. فأنا وأنت بشر ولا بد أن نخطئ ولكننا نعرف الصواب بعد التجربة، فالزمن يفرض علينا الاختلاط بالكثيرين ولكنه أيضاً كفيل أن يكشف الصالح من الطالح ويجعلنا أكثر قدرة على التمييز بين العلاقات الايجابية والسلبية، وبالخبرة نستطيع اختيار الافضل والاقتراب من الاشخاص ذوي القلوب النقية والرحيمة وهؤلاء الاشخاص سيشكلون رافعة في حياتنا. لكن تذكري أنك قد تخطئين وتقومي بصد أحبائك مقابل علاقات عادية غير جدية فالتجربة خير دليل وأنت من يختار.
- في التجربة ستحتاجين الى المشورة: من المهم جداً أن تبحثي عن شخص يفوقك علماً وكفاءة وحكمة وتجربة. إن تجارب وصعاب الحياة قد تفوق قدرتك على تجاوزها بدون مساعدة الاخرين، فنحن خلقنا بطبيعة اجتماعية لها خصوصيتها وتعقيداتها والتي تجعلنا بحاجة ماسة الى دعم من الاشخاص المناسبين. لكن، سيصعب عليك اختيار الشخص المناسب لأسباب عديدة، إما بسبب عدم الثقة أو عدم كفاءة المحيطين بك. لكن الحاجة الى المشورة والتعرف على تجارب الاخرين الذين استطاعوا شق طريقهم نحو النجاح وتمتعوا بمشاعر الفرح بالرغم من التحديات التي واجهتهم، حتما سيشكل حافزا ايجابيا في حياتك. فالمشورة ليست علاقة صداقة ولكنها علاقة تشعرين من خلالها بالارتياح لمجرد القدرة على التفريغ والبوح بمعاناتك بلا خجل أو تردد. علاقة تمنحك الثقة بالحكمة والخبرة بدون إدانة وحكم، بل ستقدم لك الحب والاحتواء، القبول والأمان. هي ليست علاقة لقتل أوقات الفراغ والترفيه عن النفس، إنما هي علاقة بناءة لإعادة تشكيل الوعي الناضج القادر على تخطي الازمات وبناء الذات القوية من خلال مدربة قادرة على احداث التغيير في حياتك.
- إن التجربة تضعك على مفترق طرق وتؤهلك لاختيار القرار المناسب: كثيراً ما نحاول التهرب من هذه المواقف التي تؤدي الى تغيير حقيقي في حياتنا، إما خوفاً من الفشل نتيجة تجربة سابقة أو خوفا من فقدان شخص له مكانة خاصة في حياتنا أو لأي سبب اخر. لذلك نجد أن التجارب الصعبة تدفعنا لاتخاذ هذه الخطوة حيث إنك في التجربة ستكتشفين أنك لا بد أن تخرجي عن نطاق الرتابة وتكتشفي الفرص لكي تقفي وقفة شجاعة مع نفسك، لتتأملي هذا الموقف بتمعن، وتغوصي في تفاصيله بما يتلاءم مع حجمه وطبعاً تأخذي بحكمة مشيرتك لتأخذي موقفاً جاداً لتنفيذ قرار ضمن الاختيارات المتاحة لك من الواقع الذي تحيينه. هل فيه مخاطر؟ نعم ولما لا؟ لربما يكون قرارك هو ما سيحدد مسار حياتك وسيرسم حكايتك مع الزمن وتذكري أن الحكايات التي تستحق النشر والتوثيق بدأت بقرار على الأرجح به نسبة كبيرة من المخاطر، فالتجربة هي فرصتك التي أخرجتك من هامش الحياة إلى رواية الحياة.
اليك بعض النصائح القصيرة وانت تمرين بالتجربة:
- تجنبي العزلة لأنها قد تؤدي الى الوحدة ومن ثم الاكتئاب. كذلك تجنبي قضاء وقت طويل على مواقع التواصل الاجتماعي كالفيس بوك وغيرها لأنها حتما ستلقي بك في زوايا العزلة والكآبة.
- البوح والاقرار بالمشاعر كما ذكرت سابقا.
- الجأي الى الله: لا يمكننا التخلص من الألم والحزن بشكل كامل ما لم تتعرفي على شخص المسيح، فالله حقيقي وشخصي وممكن التواصل معه.
وتذكري أنه لديك قوة الاختيار، ولذا سأختم بهذه العبارات لك أن تردديها وتتأملي بها:
القوة…. أن أعمل على توطيد علاقات قوية في المراحل الجيدة فأجدهم واستحق دعمهم في المراحل الصعبة.
القوة…. أن أختار استغلال خبراتي الحياتية بجعلها ذات قيمة، طبعاً لا نستطيع أن نتحكم في ظروفنا ولكن يسعنا أن نتحكم في ردود فعلنا.
القوة…. أن أسمح لنفسي بارتكاب الأخطاء، والتعلم منها.
القوة…. أن نبحث عن الأمور الجيدة في كل شيء.
القوة….. أن نطلب المساعدة حين نحتاجها.
القوة….. أن نملك الشجاعة على الشكر والامتنان، بغض النظر عما قد حدث معنا ولنا اليوم فحتماً هناك شيئاً لنكون شاكرين عليه.
القوة…. أن نثق بأننا قادرون على تمالك أنفسنا في مواقف الحياة المختلفة.
القوة…. أن نمتلك قناعات نحيا وفقها.
القوة…. أن نسمح للآخرين التقرب الينا، ليسيروا درب الحياة بجانبنا، ويدعموننا ويستمروا بمحاسبتنا.